*** عتبة ***
كانت وهي طفلة تستطيب لحظة إعلان والدتها عن زيارة الجدة بعد العصر
لم يكن يستهويها لقاء الجدة،ولو أنها تنعم بمظهر امرأة لا كالنساء:في هيأتها و طريقة حديثها التي لا تخلو من صرامة في إلقاء الأوامر
لكن الذي كان يخلد في دواخلها مرافق ذلك البيت العتيق الذي ضم بين فضاءاته عيشة أمها الحبيبة، الحنونة، دائمة الابتسام و الابتهاج
بمجرد إلقاء التحية و السلام على كل من يتواجدون في البيت وهم جميعا كبار...ترفع عينيها لسقف الغرفة العجيب..كانت تتمدد على طوله ركائز خشبية عريضة مستوية الى جنب بعضها مع قليل من فراغ...كلما امعنت النظر ترقبت حركة ما...لأنها كانت توقن بعيش كائنات هناك...يطول انتظارها ويتعب عنقها الصغير دون جدوى...فتحاول اقناع نفسها فقط بجمال صنعه و فنية بنائه و تفرده عما كانت تعرفه سواء في بيتها او في مدرستها من أسقف اسمنتية
تنقل مهارة الامعان الى باب الغرفة:خشبي مزخرف بألوان متناسقة ربما اكتسبت من النظر إليها ذوقها الفني الذي تجاذبته كثير من المغريات ولم تترك له مجالا للاكتمال
تخرج من الغرفة بحركات طفولية تنم عن الرغبة في القفز و الاهتزاز لانها تشعر بالحرية و الانطلاق فهي ضيفة عزيزة تدخل البهجة على سكون البيت العتيق و وقاره...تطالعها لوحة فنية أخاذة حين تخفض بصرها الى أرضية المكان: زليج قديم بالأبيض و الأسود ذو نقوش دقيقة باللون الأصفر...كانت تكره لحظة فشل محاولة استدراج مستطيلاته للعب عليها، فهي لا تستقيم لها كما تحب دون رسم إطار اللعب سواء بالطبشورة أو بقطعة فحم...الأمر الذي كان محظورا عليها فعله بدعوى توسيخ المكان
تعدل عن الفكرة وتواصل في اتجاه أدراج تقود الى الفوق...كان فوقا في المكان و القيمة...امتلكت بعد عدة زيارات قناعة عدم الوصول إليه...فالخطر قائم في حافته الحديدية القصيرة التي لا يمكنها أن تضمن لها حماية كافية من السقوط...هذا ما أوصتها به أمها....فلهت بالصعود والهبوط من الدرج الركني حتى انقطعت أنفاسها...ولما رغبت في الحيرة جلست في عتبة غرفة ثانية و تسمرت نظراتها...شيء غريب أن تجد شجرة وارفة الأغصان في صحن البيت جذعها يخرج من الحائط
كبرت الطفلة
ماتت الجدة
بيع البيت العتيق لأجانب...في محاولتهم لاصلاحه على ذوقهم...يحكى أن البنائين أسقطوا الجدار الذي تنبث فيه الشجرة...وعند جذورها وجدوا الصندوق
كان كنزا تحدثت عنه كل المدينة
سميرة شرف السباعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق