8‏/6‏/2020

من رجل وسخ الى سيدة نظيفة.. قصة قصيرة للعملاق ''محمد الطايع''

..من رجل وسخ الى سيدة نظيفة

سيدتي ، نزولا عند طلب أحد الأصدقاء ، أكتب لك هذا النص والذي لايمت بصلة إلي ، وذاك أن صديقي يدعي أنكما كنتما على علاقة ، ولا أصدق ذلك ، فأنت ماشاء الله سيدة راقية ، أنيقة ومن طبقة اجتماعية محترمة ، وهو ليس سوى واحد من الرعاع ، المهم لست أدري ما الذي حدث بينكما تحديدا ، لكن الرجل قال أنه يحب كتاباتي ، ولأنه لايجيد الكتابة ، فقد أصر على أن أخبرك هكذا و دون مقدمات ، أنه قبل انتشار الوباء العالمي لم يكن يغسل وجهه إلا مرة في الأسبوع ، أما طريقة الغسل الشرعية التي يعتمدها المسلمون لإزالة الجنابة ، فإنه لم يجربها منذ سبع وعشرين عاما ، أي منذ كان يصلي ، وبالنسبة للمعطف ، فإنه يشتري واحدا كل ثلاث سنوات ولا يخلعه إلا بعدما يشتري آخر ، المايوهات والفانيلات والجوارب يلبسها شهرا كاملا ، فلا يخلعها إلا أراد الاستحمام ، ثم يعود ويلبسها ، وفي أول الشهر الموالي حين يشتري أخرى ، يرمي السابقة في القمامة ، والدليل أنه حين كان يسافر لم تكوني لترينه يحمل حقيبة

ومع ذلك ( يقول ) أنك لم تشمي أية رائحة كريهة تنبعث منه ، يا سبحان الله ، لاينقصه الا ادعاء النبوءة ، قال لي : ذكرها باللحظات التي كانت تحتضنني خلالها عند لقاءاتنا العابرة ، واسألها هل لاحظت بأني يمكن أن أسبب  كراهة ؟ ! حتى أنها كادت تبكي من فرط رغبتها في الالتصاق بي عاما كاملا ، ثم أضاف قائلا : أن رائحة عرقه طيبة مثل رائحة التراب حين تبلله أولى قطرات المطر ، وأن إحدى بائعات الهوى الجميلات قال أنها قالت : أن رائحة عرقه مثيرة مثل عطر رجولي نادر 

قال صديقي المخبول وهذا أمر لا أستبعده : أنه في جل أيامه السابقة قبل واقعة الوباء كان يكتفي بوجبة ( بيصارة ) في أي مطعم شعبي من أحياء طنجة كلما غلبه الجوع ، وحتى إن صادف وأكل طعاما شهيا فهو في العادة يكتفي بصنف واحد ، لايمكنه إطلاقا أن يغرف لقمته من صحنين في نفس الوقت ، وإذا حدث وسقطت قطعة خبز من يده على أرضية المطعم التي تعاقبت عليها أحذية العمال البؤساء ،  يلتقطها ويأكلها دون أن يشعر بأي نفور  ، هذا و كم صادف حاجته لشرب الماء ، أن درويشا قد  سبقه إلى الكوب ، حيث لامفر من رؤية مخاط أنف المشرد و شعر لحيته و لعابه قد امتزجوا بالماء ، فكان يشرب من بعده مباشرة من نفس الآنية وأحيانا ينسى البسملة

أما الكأس الوحيدة التي كانت توجد فوق مائدته الوسخة في بيته الشبيه بالقبو ، فإنه لم يكن يغسلها إطلاقا وقد يصب فيها اليوم شايا وفي غد قهوة وفي اليوم الذي يليه حليبا ، وذاك أنه ظل يعتقد أن السوائل الجديدة تغسل بقايا السوائل السابقة وهكذا ، وتلك المقلاة التي يعد فيها البيض وبعض الوجبات الخفيفة ، لاتلامس الماء الا بمعدل مرة في السنة ، كما أنه لا ينفض الغبار عن فراشه ، وأحيانا ينام عليه دون أن يخلع حذائه ، هذا وكان  طوال سنوات عمله في الميناء يحمل روث الكلاب بيديه العاريتين ، وينظف جحورها برؤوس اصابعه المجردة ، وكثيرا ما أكل مع الكلب من نفس الوعاء

ومن غريب ما أخبرني به وأصر على أن أنقله إليك رغم اعتراضي الشديد ، أنه حين يغلبه النوم لا يحتاج في العادة إلى سرير ، يكفي أن يغمض عينيه ثم يقف في مكانه طوال الليل حتى الصباح دون أن يستند ولو إلى جدار ، وقد لا ينام ثلاثة ليال متتالية ، وحين سألته ما الغاية من كل هذا ؟ ولماذا تريد إخبارها به ؟ قال أنه كان يتمنى من أعماق قلبه الطيب أن يمارس معك الجنس ليلة كاملة ، لكي تتأكدي أن الفحولة ليست في حاجة إلى أطعمة باهضة الثمن ، وأن الرجل حين يبلغ الاربعين لايتحول إلى خنثى ، أخبرني مع لمعة أسى وحزن في عينيه أنه كان يتخيلك معه فيستثار ويطلب من الله أن يمنحنه فرصة مضاجعتك على نهج السنة الكريمة ، حيث ستتأكدين بنفسك أنه ليس ذلك البدائي الذي يقع على امرأته كما تقع ذكور البهائم على إناثها ، وذاك أنه برغم شكل حياته البوهيمي رجل رقيق الإحساس ، رومانسي ويعرف ما الذي تحبه النساء في الرجال وما الذي تبحث عنه الرغبة المؤنثة في الجسد الذكوري ، وهو يخبرني بكل هذا أدركت أن الرجل أحمق بشكل رسمي ، لكن ومن باب الأمانة وحفاظا على الوعد الذي قطعته له ، ها أنذا أنقل لكم كلامه كما فاه به واجري وأجركم على الله 

المهم سيدتي ، وفي ختام هذه الرسالة الحمقاء ، اقول نزولا عند رغبته ، أنه بعد زوال غمة الوباء إن شاء الله ، يتمنى أن يكون قد تعلم الكثير عن النظافة ، قال أخبرها ، أنني إذا قدر الله ونجوت من خطر التعرض للفيروس ، سوف اكون شخصا آخر ، كيف ذلك سيدتي ؟ سألته فأكد لي أنه ومنذ فرض الحجر الصحي ، أصبح يغتسل مرة في اليوم ، ويتناول أطعمة شهية مختلفة ، هذا وقد تخلص من جميع ملابسه الرثة وابتاع أخرى جديدة ، كما قام بتغيير محل سكنه الوضيع ، و للإشارة هذا المسكن الجديد بالغ النظافة و معطر ، كما أن اواني المطبخ معقمة وعلب التوابل و الفواكه والخضر محفوظة في ركن امين بعيد عن الغبار والبلل

لم يكتف صاحبنا بالحديث عن حلق وجهه كل صباح ، فلقد أضاف أنه تطوع أخيرا وقام بحلق شعر عانته وإبطيه ، ثم اغتسل على الطريقة الشرعية ، وصلى لربه لأول مرة منذ سنوات طويلة

لست أدري سيدتي ، لم أفهم الغاية من وراء ثرثرته هذه وحديثه عن نفسه ، لكنني شردت بذهني طويلا ربما لأني تأثرت بكلامه حين قال : أخبرها أنني في الماضي كنت أخاف كثيرا من الموت ، وأنا على تلك الحالة التي لاتختلف عن حالة الكلب ، كنت أخاف من لقاء ربي دون صلاة ، وأخجل لمجرد التفكير في الشخص الذي سيقوم بغسلي قبل الدفن وهو يطلع على قذارتي الجسدية ، الآن أنا مرتاح جدا ، أعتقد أن هذا الوباء إن لم يتركني لأحيا ، فإنه على الاقل منحني فرصة طيبة لكي أموت نظيفا

انتهى كلام صديقي ، والآن ، أقول سيدتي ، ألف شكر لك على تكبدك عناء قراءة هذا النص ، والذي لايمت إلي بصلة كما أخبرتك في بدايته ، أرجو أنك لست ممن يقومون بإسقاط أي نص يقرؤونه على شخص كاتبه ، لأنني أنا محمد الطايع كما تعرفين ، كنت نظيفا جدا ومنذ البداية ، والحمد لله ، هؤلاء نحن معشر عشاق الكتابة ، يحدث أحيانا وبتواضع منا أن نعير أقلامنا ، للذين يخجلون من الحديث عن أنفسهم 
مباشرة
     تحياتي لك .. أيتها المحترمة                          
          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

''الأسئلة'' قصة قصيرة/العملاق ''محمد الطايع''

..الأسئلة  ..قصة قصيرة ماذا؟ ماذا قلت؟ تحبينني؟ هل قلت أنك تحبينني؟ هل قلت ذلك فعلا؟ هل أبدو لك مغفلا؟ لماذا تعتقدين أنني كذلك؟...