***** فراغ رحيل *****
كعادته قام لصلاة الفجر...وعلى غير عادته أضاء أنوار البيت ليبحث عن نعله البلاستيكي للوضوء...لم يجده حيث وضعه تلك الليلة...طبيعي ، فبيته الكبير ضم أولاده و أحفاده طيلة عطلة الربيع...ولم يعد ذلك الحر الذي يجد أشياءه حيث وضعها
كان آخر يوم في العطلة و الكل قد جمع أمتعته للعودة من حيث أتى
دلف إلى الطابق السفلي بعد أن تيقن أن ماء الوضوء قد فتر فوق النار...هبط الأدراج، توضأ في مكانه المعتاد ثم صعد وفي يده اليمنى إناء الوضوء...كان يريد ارتداء جلبابه و بلغته والخروج الى المسجد الذي كان مكانه فيه قد ألفه و اعتاد عليه
لكنه وهو يمر بباب غرفتنا...وضع الإناء و لم أفتح عيني إلا و هو بجانبي...رأيته يقبض بيده على بعض من غطائي و يحاول التحدث إلي...رفعت إليه رأسي و أنا أحاول أن أفهم...قال بصوت عادي:ما عرفتش مالي
سألني ان كنت سأذهب اليوم..قلت له:نعم
بدأ يتلو القرآن بصوته الشجي...تبينت أنه لا يسمع أسئلتي المتلاحقة...لم تعد الكلمات تخرج من فمه منفصلة و لا مفهومة...بدأ وجهه الأسمر في الشحوب...اختفى سواد عينيه وبقي بياضها فقط في صورة أرعبتني...فقمت من مكاني فزعة لمنظر تراخيه بين يدي...و همهمته التي لم أعد أفهم منها سوى لفظ الجلالة و قد تكرر ذكره كثيرا دون نسق منظوم
حاولت برفقة أختي أن نوصله الى غرفته ...لم يقو على الخطو..فقد تسمرت قدماه في الأرض...كان لا يزال يقول شيئا..لكن صوته تراجع و هو يردد الشهادة
استيقظ كل من في البيت مذعورا من هول الصدمة...فقد أمضينا معا أمسية رائعة تبادلنا فيها أطراف حديث كان محوره...استدعينا جميل ذكريات الطفولة..وكانت ضحكاته تملأ جنبات المكان حين كنا نذكره بقساوته في تربيتنا...قام كعادته لينام راضيا ...فكان آخر فجر لم يؤد صلاته بل اكتفى بالوضوء لها
عشت أيام احتضاره الثلاث...رافقت جثته التي واكبت سكون أطرافها واحدا تلو الآخر....قبلته كثيرا وكأنني قضيت دين قبلاتي التي لم تصله و هو بعيد عني
وفي فجر الليلة الثالثة ...تركنا الغرفة لتستقبل ملك الموت
يكفيني أنك أبي حيا أو ميتا
بقلم: سميرة شرف السباعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق