27‏/4‏/2018

بسم الله الرحمن الرحيم:
        🌹 قراءة نقدية🌹
   -قصيدة  ترتسم أمامنا كلوحة شعرية من التلوينات والارتجاجات الروحية والقلبية وحتى الجسدية تصرخ بنرة خافتة، هنا، الشاعر يحدث نفسه بتركيز كبير مستهلا مطلع قصيدته بجملة استفهامية ، يحدث نفسه بنوع من الإثبات، لأنه يعلم أنه يسمع صوته (هو) وليس غيره"هل تسمع صوتي؟! "، ولأن حرف"هل" لا يستفهم بها إلا عن الجملة في الإثبات ،فلا يقال (هل لم تسمع صوتي؟) " ثم يستتبع حديثه أحقا؟.. سؤال استنكاري مكرر بتأكيد وباستغراب، لكنه بعد ذلك ينادي من قريب  بحرف  "يا" ،مباشرة بتعجب مستغيثا  بكائن(البؤس الذي يقتات من مغصه الأليم) ساكن جواه، ذاك الصوت (النداء)المتحدث  في دواخله، في حناياه.. هل ينصت له؟
   -في رأيي المتواضع، سوف يتفق معي الجميع، بأن هناك بداخل كل شخص منا صوت داخلي يتحدث إليه يوميا، ولا يتركه مطلقا في جميع مواقف ومراحل حياته، ذلك الصوت يلازمه دائما سواء في أوقات فرحه أو حتى في أوقات حزنه، ذلك الصوت يظل معه دائما في لحظات ضعفه، وأيضا في لحظات قوته، ذلك الصوت الذي يجعل منك شخصا عظيما إذا أنصت له، وأيضا يجعل منك شخص غير عظيم إذا لم تنصت له.
"يا ساكنا بداخلي تسمعه..؟!"
"ياساكن الحشايا مختصرا ..
كل البرايا ..
يغنيك بداخلي بؤس الحنايا ..
عهدا دائما .."
   -يقول مايكل إنزلخت: "إذا كنا غير قادرين على التعبير عن الرسائل الداخلية، فإننا نفقد جزءاً من ضبطنا لأنفسنا"
ولكن من أين هذا الصوت المعروف لنا جميعاً؟ ومن هو؟ مما لا شك فيه أن الأنا يتحدث إلى نفسي، ولكن لماذا التحدث إلى النفس؟ وهل ثمة شخصان بداخلي واحد يتحدث وآخر يستمع؟ الكاتب الياباني موراكامي يقول إنه عندما لا يشرع بالكتابة، فإنه يتدرب على الماراثون، المتمثل في الحوار الداخلي بينه وبين جسده الذي تعكسه صورة المؤلف والعداء .
     -وهنا يحضرني ما جاء في الكتاب المحكم، وهو الفرقان الذي قسم النداء الخفي/ النفس إلى ثلاثة  محاورات،وذكر كيف السبيل إلى مواجته( ها) أثناء المناظرة:
النفس الأمارة بالسوء
النفس اللوامة
النفس المطمئنة
   -هذا الحوار البين - ذاتي ،والاستنطاق النفسي من الداخل، يبرز لنا أن لحظة هذا  الحوار تمت في ظروف محبطة ،وفي حالة نفسية عاشقة ومغرمة، متعبة ومرهقة تماما...لأن ذكر الموت  وتقابله الحياة/الوجود، هنا، و في تساؤل  يشخص الموت/العشق بالمجنون وكأنه  فقد عقله من شدة الولع يجعله يموت في سبيل هذا الوله، وباستلهام من لغتنا الدارجة (كنموت عليك!)(كان حماق عليك!)، هاتان العباراتان تدلان على درجة الحب الشديد الذي لا حدود له إلا حدا الموت والجنون.
"هذا الموت المجنون بما سأنفعه؟!"
 فما يكونُ الموت ؟ هذا ما نَجهله ولا يُمكننا أنْ نَعرفه. إنّ هذا السِّر العظيم هو ما جعل حياتنا مليئة بالألغاز، وهي بذلك أشبه ما تكون بطريق لا نعرف إلى أين يؤدي، أو بالأحرى أننا لا نعرف إلى أين يؤدي إلا فيما بعد (عند الممات)، لكن دون أن نعرف مع ذلك، ما يكمن وراء ذلك – وراء اللفظة، ووراء هذا الأمر – ولا حتى إن كان ثمة وجودٌ لشيء ما. حيث لم يكف الفلاسفة قط عن الرد عن سؤال:”ما الموت؟”. والحق أن الميتافيزيقا في جزء كبير منها،لعبت دورا هاهنا؛مما أثر على أجوبة الفلاسفة التي يمكننا تقسيمها باختصار شديد إلى قسمين:
إذ منهم من يقول بأن الموت هو بمثابة لاشيء (مجرد عدم)؛ بينما آخرون يؤكدون على أنه بمثابة حياة أخرى، أو أنه استمرار لهذه الحياة نفسها، باعتبارها حياة طاهرة ومتحررة… إنّ هاتين الإجابتين هما طريقتان لنفي الموت سواء كعدم، مادام أن العدم هو لاشيء، أو كحياة ما دام أن الموت حينئذ يعتبَر حياة ثانية. من ثمة يبدو أن التفكير في الموت هوّ ما يعني العمل على إنكاره :هكذا ينفلتُ منا الموضوع بالضرورة. فالموت هو لاشيء (أبيقور) وتشاؤم عند (شبنهاور)، ونضج عند (هيدغر)، أو أنه بالأحرى ليس بموت عند (أفلاطون) بل حياةٌ أخرى. وهذا ما تم ذكره في كل الديانات التوحيدية.
   -موضوع الموت هامّ ومستحيل في نفس الوقت . هام مادام أن حياتنا كلها تَحمِل بصمته، كما لو كان ظلا للعدم (فلو لم نكن منذورين للموت ،لأضحى بدون شك ،لكل لحظة من لحظات حياتنا ،مذاق مختلف، ولون متميز) أو كما لو كان نقطة هروب بالنسبة لنا من كل شيء.

   2 ويستطرد الشاعر بلغة بليغة، وبصور شعرية غاية في الجمال والبهاء، يكشف لنا من خلالها عن حالة قلبه المنكسر حزنا وكسفا، والسنين االتي تنسحب قطعا مجزأة مع مرور أيام المعاناة والآلام والآهات والسهاد...ثم التحدي بالمقاومة والصبر من عاشق حتى الجنون/الموت.
" يتشضى العمر حبات عقد ..
بأصابع اللهفة أجمعه "
  -هذه المهجة التي يغمرها الإيمان بالله ،تفر إليه، في آخر المطاف،  مستسلمة، و مفوضة أمرها إليه ،بعدما انتهى من محاورة نفسه ، لتبث حزنها ،و ضعفها، وخيبات الأمل وعذابات الشوق... متوجهة متضرعة إلى الله بالمناجاة والدعاء، إيمانا راسخا به بأن الله مجيب الدعاء لا محالة ،"عالم بذات الصدور"، لا تخفى عليه خافية، هو المدبر لكل أمر وهو  الملاذ والملجأ.
"وكف دعاء خاشع ..
لرب القلوب باكيا أرفعه ..
هل تسمع خفقي ..
وحشرجة الحزن ..
تجرح حلقي ..
حزن يحاصرني يناورني ..
يعانقني قاهرا ..
لا أعرف والله كيف أخدعه .."
أحبك ملء جنوني ..
بكل شطحات ظنوني ..

   -يقول الشاعر:
"في كفة أنت ..
وفي الأخرى عالم الناس أجمعه"
  -هنا يعرض لنا الشاعر إبداعه اللغوي بتعبير مجازي جميل، ينم عن مخيال واسع ،يظهرلنا مدى المكانة ،و الحظوة والدرجة الكبيرة التي تحظى بها محبوبته في قلبه ووجدانه، وهو يرفعها في ميزان الدرجات  العلى ( الحبيبة في كفة والعالم كله في كفة أخرى).
    -يباشر الشاعر حديثه، وهو يعترف معلنا  بحبه الأبدي الطاهر المبني على الوفاء والإخلاص والمقاومة، وعن لوعة الصبابة والوله، و نار الشوق والحنين، اللائي يأكلن روحه ،وهو متمتع بالأسى راضيا...في سبيل هذا الحب "الخالد"  وبحرقة شديدة وبصوت أجش يهمهم الشاعر:
 "هل تسمع خفقي ..
وحشرجة الحزن .."
"أهواك إلى أبد ..
أهواك بلاعدد .."
"راضيا وربك أدفعه ..
ياحبيب القلب ..
إني أعطيتك القلب ..
ومهما يطول العمر ..
صدقني هذا الأسى فيك ..
أجمل الوقت .. أمتعه ..
أحبك لا انتهاء ولاشفاء ..
أحبك .."
   -من خلال ما سبق، ونحن قد جبنا كل محطات القصيدة بخاطر مرتاح، وبال صاف، شدته ،منذ القراءة الأولى، التركيبة الصورية والجمالية، و الاسلوب الأدبي الراقي في الصياغة ،نكتشف في هذا السفر الوجداني والنفسي تعبيرا راقيا في اللغة، و بلاغة بديعة ،وصور شعرية عميقة الدلالات والمعاني ، يرافقها إيقاع خفيف ومهموس وهادئ "حرف الهاء"،حتى يتمكن المتلقي من الإنصات إلى نوتات قلب القصيدة، وسرد متين، متلاحم ، ومترابط المفردات ،تنساب ألفاظه متحدرة باطراد وبتسلسل منتظم، كماء النهر المتدفق ؛ يتضح أننا كنا أمام  بيانا تخطيطيا، ووصفا دقيقا لحركة القلب، يظهر لنا من خلال الفحص تموجات لأحاسيس،ومشاعر ملتهبة في حركة غير طبيعية تارة صاعدة وتارة نازلة تشير إلى التهابات وندوبات حارقة من اللهفة ،والعشق ،والاشتياق، والصبر ،و الألم وأناته، كل ذلك كان مبعثا إلى العذاب والصراع النفسي من  حزن، وأرق ،و معاناة ،ومقاومة بالفداء والوفاء لهذا الحب الصادق والنقي مع العلم أن الشاعر  قد أقسم اليمين من قبل ،أن لا يخلف وعده ؛ وهو في حيرة  من أمره لم يصل إلى إجابة مقنعة في محاورته" البين ذاتية "...خرج معترفا ومتواضعا صادقا وو فيا ومقاوما شجاعا، لا الخلاص يجحده، ولا العشق /الحلم الجميل يطمعه.
"ياسهد عمري وعدا لك أقطعه .."
"فداء عشقك من روحي ..
يأكل روحي..
"راضيا وربك أدفعه .."
"إن الخلاص منك يامالك القلب ..
حلم جميل .. لكنني ..
لا أرجوه ولا أطمعه .. !!"
    أكتفي بهذا القدر، وأتمنى أن أكون قد أضفت لمسة  من الجمال في المعنى بريشة الناقد.
أزكى التحيات وأطيب الأمنيات.أخي الأديب الشاعر والقاص الأستاذ محمد الطايع.

     الناقد خالد بن مبارك خداد

قصيدة الشاعر محمد الطايع
هل تسمع صوتي .. ؟!
أحقا ..
يا ساكنا بداخلي تسمعه .. ؟!
أنا إن حان موتي .. ؟!
فيما ياترى ..
هذا الموت المجنون سأنفعه .. ؟!
ياساكن الحشايا مختصرا ..
كل البرايا ..
يغنيك بداخلي بؤس الحنايا ..
عهدا دائما ..
ياسهد عمري وعدا لك أقطعه ..
هذه أشواقي ..
تغسل أحداقي ..
حنينا إليك ..
يتشضى العمر حبات عقد ..
بأصابع اللهفة أجمعه ..
هذه أعماقي ..
وعطرك الباقي ..
يرتد فيها مرايا ..
عطايا وخطايا ..
وكف دعاء خاشع ..
لرب القلوب باكيا أرفعه ..
هل تسمع خفقي ..
وحشرجة الحزن ..
تجرح حلقي ..
حزن يحاصرني يناورني ..
يعانقني قاهرا ..
لا أعرف والله كيف أخدعه ..
أحبك ملء جنوني ..
بكل شطحات ظنوني ..
في كفة أنت ..
وفي الأخرى عالم الناس أجمعه ..
فهل ياترى تسمع صوتي ..
وآهة قلب يجلده الصمت
وخيبات المساء تصفعه ..
إن كنت تسمعني ..
إن كنت تحضنني ..
أخبرني عنه قليلا ..
قل لي هل أضحى نحيلا ..
يموت فيك الف مرة ..
وطبع الكبرياء يمنعه ..
قل لي هل مازال جميلا ..
فكم مات قتيلا ..
شهيد الهوى ..
عاشقا يزهو به مصرعه ..
أهواك إلى أبد ..
أهواك بلاعدد ..
أيام هذا العمر ثمن زهيد ..
فداء عشقك من روحي ..
ياكل روحي ..
راضيا وربك أدفعه ..
ياحبيب القلب ..
إني أعطيتك القلب ..
ومهما يطول العمر ..
صدقني هذا الأسى فيك ..
أجمل الوقت .. أمتعه ..
أحبك لا انتهاء ولاشفاء ..
أحبك ..
واحمرار المساء ..
في كل عزلة ظلمة غفلة ..
ضباب سراب ..
صدقني ..
أنصعه ..
إن الخلاص منك يامالك القلب ..
حلم جميل .. لكنني ..
لا أرجوه ولا أطمعه .. !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

''الأسئلة'' قصة قصيرة/العملاق ''محمد الطايع''

..الأسئلة  ..قصة قصيرة ماذا؟ ماذا قلت؟ تحبينني؟ هل قلت أنك تحبينني؟ هل قلت ذلك فعلا؟ هل أبدو لك مغفلا؟ لماذا تعتقدين أنني كذلك؟...