قصة قصيرة
___ الخنجر ___
لم تحمل ذاكرتي عن أبي صور كثيرة..مجرد بضع مشاهد ضبابية متقطعة، متناثرة هنا وهناك وسط ركام من الأسئلة ..
لم أعرف لكلمة -ابوة- طعما أو شكلا أو لونا..كانت عالما خفيا عني لم أستطع اختراق أسواره المنيعة.. عالم يملأه الشوق والحنين..وتلف تناياه عباءة من الحزن والأسف.. عالم يقف أمامه القلب منهوكا مثقلا بهموم من يفقد البوصلة في بحر لُجِّيٍّ ..
في غرفة الوالدة كان هناك صندوق خشبي ..نادرا ما كان يفتح ذاك الصندوق..وكلما فتح إنتشرت منه في الأجواء رائحة عبقة، كانت تأسرني. . تسحبني من خياشمي إليه في استسلام ولذة غريبة..
اقترب منه فاغمض عيناي..واشتم بكل قوة تلك الرائحة ..ثم يغلق من جديد..وتجدبني يد والدتي برفق بعيدا عنه..سألتها مرارا عن الصندوق وتلك الرائحة ..فكانت توجه الحديث إلى أمور أخرى لم تكن تهمني كثيرا..
مرت الأيام ومضت السنين واشتد عود الصبي...ولكنه كان عودا اجوفا من الداخل،به فراغ ما ؟؟ ربما موضع حنين ربما موضع شوق..ربما موضع كلمة غير مفهومة ...
فتح الصندوق بعد طول سنين وجلست الوالدة أمامه ثم طلبت مني الاقتراب وهي تقول بصوتها الحنون..
انت الان رجل ...ومن حقك أن تعرف ما بداخل الصندوق..ثم أخرجت منه رزمة كبيرة وضعتها بعناية على سجادة الصلاة..
وأردف قائلة ...انها بعض ملابس ابيك..
قبلت الرزمة وضمتها إلى صدرها..فتدفقت من زوايا عيناها حبات دموع ..انهمرت تروي خدودها الشاحبة..فتلقفتها بظاهر اليد عند زوايا فم بالرعشة يغلي، كمرجل على نار الشوق يفور ..
اقتربت من الرزمة ، في خشوع من يقف أمام محراب مقدس..لامست اناملي الثياب ..كانت مطوية ومرتبة بعناية من يحب ..عمامة صفراء فاقع لونها ..جلباب ابيض بخطوط سوداء..جلباب آخر اسود مثين..قمصان بيضاء..خنجر في غمده بحراف أخضر..محفطة جلدية مطرزة بحرير اصفر..وأشياء أخرى لم اثبينها كفاية..كانت عيني مركزة على الخنجر فقط..وجوده ألغى وجود كل الاشياء الأخرى ..
أعادت الوالدة الرزمة إلى مكانها ..
لكنني احتفظت بالخنجر وحده .. هو فقط ما كان يلزمني ..
حميد طاليس
___ الخنجر ___
لم تحمل ذاكرتي عن أبي صور كثيرة..مجرد بضع مشاهد ضبابية متقطعة، متناثرة هنا وهناك وسط ركام من الأسئلة ..
لم أعرف لكلمة -ابوة- طعما أو شكلا أو لونا..كانت عالما خفيا عني لم أستطع اختراق أسواره المنيعة.. عالم يملأه الشوق والحنين..وتلف تناياه عباءة من الحزن والأسف.. عالم يقف أمامه القلب منهوكا مثقلا بهموم من يفقد البوصلة في بحر لُجِّيٍّ ..
في غرفة الوالدة كان هناك صندوق خشبي ..نادرا ما كان يفتح ذاك الصندوق..وكلما فتح إنتشرت منه في الأجواء رائحة عبقة، كانت تأسرني. . تسحبني من خياشمي إليه في استسلام ولذة غريبة..
اقترب منه فاغمض عيناي..واشتم بكل قوة تلك الرائحة ..ثم يغلق من جديد..وتجدبني يد والدتي برفق بعيدا عنه..سألتها مرارا عن الصندوق وتلك الرائحة ..فكانت توجه الحديث إلى أمور أخرى لم تكن تهمني كثيرا..
مرت الأيام ومضت السنين واشتد عود الصبي...ولكنه كان عودا اجوفا من الداخل،به فراغ ما ؟؟ ربما موضع حنين ربما موضع شوق..ربما موضع كلمة غير مفهومة ...
فتح الصندوق بعد طول سنين وجلست الوالدة أمامه ثم طلبت مني الاقتراب وهي تقول بصوتها الحنون..
انت الان رجل ...ومن حقك أن تعرف ما بداخل الصندوق..ثم أخرجت منه رزمة كبيرة وضعتها بعناية على سجادة الصلاة..
وأردف قائلة ...انها بعض ملابس ابيك..
قبلت الرزمة وضمتها إلى صدرها..فتدفقت من زوايا عيناها حبات دموع ..انهمرت تروي خدودها الشاحبة..فتلقفتها بظاهر اليد عند زوايا فم بالرعشة يغلي، كمرجل على نار الشوق يفور ..
اقتربت من الرزمة ، في خشوع من يقف أمام محراب مقدس..لامست اناملي الثياب ..كانت مطوية ومرتبة بعناية من يحب ..عمامة صفراء فاقع لونها ..جلباب ابيض بخطوط سوداء..جلباب آخر اسود مثين..قمصان بيضاء..خنجر في غمده بحراف أخضر..محفطة جلدية مطرزة بحرير اصفر..وأشياء أخرى لم اثبينها كفاية..كانت عيني مركزة على الخنجر فقط..وجوده ألغى وجود كل الاشياء الأخرى ..
أعادت الوالدة الرزمة إلى مكانها ..
لكنني احتفظت بالخنجر وحده .. هو فقط ما كان يلزمني ..
حميد طاليس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق